لماذا لم يحدث تحدي مباراة القرن
مثل هذا اليوم منذ 50 عامًا، في 1 يوليو 1972، أقيم حفل افتتاح بطولة العالم للشطرنج بين بطل العالم بوريس سباسكي ومتحديه بوبي فيشر في ريكيافيك، أيسلندا.
حيث لم يكن فيشر حاضرًا في ذلك اليوم، ولم تعقد المباراة الأولى المقرر إجراؤها في اليوم التالي إلا بعد 10 أيام. رسخت بطولة "مباراة القرن" نفسها في أذهان الملايين من محبي الشطرنج، وحتى في ظل الحرب الباردة، ارتفعت شعبية الشطرنج بشكل كبير.
كان فيشر نجمًا لامعاً في عالم الشطرنج، حيث أن انتصاراته المذهلة في مباريات بطولة المرشحين عام 1971 على كل من: مارك تايمانوف (6-0)، وبنت لارسن (6-0)، وتيجران بيتروسيان (6.5-2.5)؛ جعلته مشهورًا بين الجمهور الذي لا يلعب الشطرنج. كانت وسائل الإعلام الرئيسية دائماً ما تكتب عنه، حتى أن الرئيس نيكسون كتب له رسالة يقول فيها إن البلاد تقف وراءه وتدعمه.
بحلول نهاية عام 1971، قامت 15 دولة بتقديم عروض لاستضافة بطولة العالم: من أمستردام، أثينا، بلغراد، بليد، بوغوتا، بوينس آيرس، شيكاغو، دورتموند، مونتريال، باريس، ريكيافيك، ريو دي جانيرو، سراييفو، زغرب وزيورخ. وفقًا للجراند ماستر ماكس إيوي، بطل العالم السابق الذي كان رئيس الاتحاد الدولي في ذلك الوقت، كانت أعلى العطاءات من بلغراد (حيث خصصت جائزة 152.000 دولار)، ريكيافيك (125.000 دولار)، وسراييفو (120.000 دولار)، وهذه الجوائز كلها فاقت بطولات العالم السابقة بـ10 أضعاف.
كتب جودموندور ثورارينسون-رئيس الاتحاد الأيسلندي للشطرنج في ذلك الوقت-في كتاب "The Match of All Time"، الذي تمت ترجمته مؤخرًا إلى اللغة الإنجليزية، أنه لا يثق كثيرًا في حدوث البطولة في أيسلندا:
"دليل على مدى اهتمامي بالأمر، اعتقدت أن عملنا على العطاءات كان مضيعة للوقت، فشلت في إرسال العطاء إلى مكاتب الاتحاد الدولي في الوقت المحدد. اتصلت بفريستين ثوربيرجسون وطلبت منه أن يذهب إلى أمستردام لتسليم عرضنا شخصيًا لمقر الاتحاد الدولي حيث سيتم فتح العطاءات. لقد قام بهذا بكفاءة عالية."
وفقًا لمراسل مجلة الحياة براد داراش، الذي جمع مقالاته في الكتاب الرائع بوبي فيشر ضد العالم "Bobby Fischer vs. the Rest of the World"، كان ثورارينسون قد خطط في البداية لتخصيص جائزة بقيمة 25000 دولار، ولكن قبل أسبوع من إغلاق العطاء قرأ تقريرًا كاذبًا بمجلة شطرنج ألمانية أن آيسلندا قدمت عرضًا بقيمة 100000 دولار. بافتراض أن مقدمي العطاءات الآخرين سيحاولون التغلب على ذلك العطاء، فقد وضع ثورارينسون مبلغ 125000 دولار. ولم يذكر ثورارينسون هذا في كتابه.
علاوة على ذلك، ذكر عرض ريكيافيك أيضًا أنه بالإضافة إلى صندوق الجائزة، سيحصل اللاعبان على 30 بالمائة من عائدات حقوق التلفزيون/الأفلام. بعد أن وجد نفسه في منطقة جديدة، اقترح إيوي البالغ من العمر 70 عامًا تقسيم الإيرادات بالتساوي بين اللاعبين والاتحادات المنظمة والاتحاد الدولي، وأرسل برقية إلى جميع اتحادات العطاءات حول هذا الموضوع. لم تكن بلغراد سعيدة بذلك وأعلنت أن عطائها غير مؤكد الآن. سافر إيوي إلى بلغراد في 15 كانون الثاني (يناير) 1972، وعرض 7000 دولار لقبول شروطهم إذا كانوا سيفوزون بالعطاء.
وفي الوقت نفسه، طُلب من كل من فيشر وسباسكي تقديم تفضيلاتهم للمدينة المضيفة بحلول 31 يناير 1972. رشح سباسكي ريكيافيك وأمستردام ودورتموند وباريس بينما رشح فيشر بلغراد وسراييفو وبوينس آيرس ومونتريال.
نظرًا لعدم وجود تداخل في ترشيحات اللاعبين، أعطى الاتحاد الدولي موعداً للاعبين حتى 10 فبراير للاتفاق على المدينة المضيفة، وإلا سيتخذ إيوي القرار بنفسه. إدموندسون، رئيس اتحاد الشطرنج الأمريكي ومدير فيشر لفترة طويلة، سافر إلى موسكو ووافق على ريكيافيك، بشرط أن يوافق فيشر.
شعر إيوي بالارتياح لتلقي برقية من موسكو تفيد بأن الطرفين اتفقا على ريكيافيك. ومع ذلك، سرعان ما جاءت برقية من نيويورك: لم يوافق فيشر! ووصف ريكيافيك بأنها صغيرة وبدائية للغاية، و "مكان غبي للبطولة"، الشيء الذي دعا إلى تقديم المساعدة على المستويات الدبلوماسية. في غضون ذلك، أثار كل هذا غضب مسؤولي الشطرنج الروس، الذين اتهموا رئيس الاتحاد الدولي بخرق اللوائح - ولم تكن هذه المرة الأخيرة.
تقسيم البطولة إلى نصفين
بعد ذلك جاء إيوي بفكرة رائعة وعملية: طلب من أعلى مزايدين تقسيم البطولة. حيث تم تقرير إقامة النصف الأول من البطولة في مدينة بلغراد، بينما أرادت مدينة ريكيافيك تخفيض التكاليف في حالة عدم استمرار البطولة 24 مباراة كاملة.
وافق فيشر، وقال إدموندسون: "اتخذ إيوي قراراً حكيماً. تقسيم البطولة إلى نصفين."
قرار إيوي لم يعجب الجميع، حيث استقال السكرتير سلافيكوردي-الذي يعمل في الاتحاد الدولي والذي كان أيضًا رئيس لجنة القوانين-من منصبه احتجاجًا على ذلك. وأيضاً احتج الاتحاد الروسي للشطرنج، مشيرًا إلى أن مدينة بلغراد تتمتع بمناخ دافئ جدًا في الصيف، يختلف تمامًا عما اعتاد عليه لاعبهم، وقاموا باتّهام رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج مرة أخرى بخرق اللوائح. شرح إيوي قراراته في اجتماع مكتب الاتحاد الدولي المخطط إقامته يومي 2 و 3 مارس في موسكو. أبدى الاتحاد الروسي بعد ذلك بعض الدعم وسحب احتجاجه على مضض.
بعد اجتماع استمر 40 ساعة بدأ في 18 مارس في أمستردام، وحضره وفدان من آيسلندا ويوغوسلافيا، وتم الاتفاق على صيغة تقسيم البطولة. ستكون الجائزة الجديدة 138 ألف دولار (متوسط العطائين) وتم إنشاء مخطط للمدفوعات بناءاً على عدد المباريات اتي سيتم لعبها خلال التحدي، بحيث تتحمل بلغراد العبء الأكبر في حال كانت البطولة أقل من 24 مباراة.
لم يتمكن إيوي من الحضور لتواجده في بعثة إلى أستراليا وشرق آسيا. عَلِم في 20 مارس في سيدني أن الأطراف قد اتفقت وأن العقد قد تم توقيعه من قبل الجراند ماستر إيفيم جيلر نيابة عن سباسكي ومن قبل إدموندسون نيابة عن فيشر.
وبعد يومين لم يقبل فيشر مرة أخرى توقيع إدموندسون وطالب كل من بلغراد وريكيافيك بتغيير الشروط، حيث يجب أن يستفيد اللاعبون مالياً من عائدات البطولة، وأكد أنه لن يلعب إن لم يوافقوا على ذلك. حيث اتضح أنه لم يعد لدى إدموندسون تفويض للتحدث نيابة عن فيشر بعد الآن، وسرعان ما سيتوقف الاثنان عن العمل معًا.
هذه المرة ، وقف إيوي بحزم وأعطى اتحاد الشطرنج الأمريكي موعدًا نهائيًا في 4 أبريل لقبول شروط البطولة. سرعان ما عادت برقية تفيد بموافقة فيشر على الشروط، وأن كل شيء على ما يرام.
وفي ذلك الوقت، بلغراد المدعومة من بنك يوغوسلافي، قد فقدت صبرها وطالبت بإيداع مبلغ 35000 دولار من كل من اتحادي الشطرنج الأمريكي والروسي. وعندما رفض الأمريكيون الإستجابة لها انسحبت بلغراد في 11 أبريل.
البطولة كاملة في ايسلندا
ثم عرض اتحاد الشطرنج الأيسلندي استضافة البطولة كاملة، بشرط تأجيل بداية البطولة من 22 يونيو إلى 2 يوليو، وتم قبول ذلك الشرط. في كتاب عن هذا التحدي الذي شارك في كتابته الجراند ماستر جان تيمان، أقر إيوي بأنه انتهك اللوائح قليلاً هناك، والتي كانت تنص على أن البطولة لا يمكن أن تبدأ بعد 1 يوليو. لقد شعر إيوي أن لديه سبب وجيه لذلك: وهو أن فيشر لن يتمكّن من اللعب يوم السبت بسبب معتقداته الدينية، وبناءاً على ذلك لقد قرر الاتحاد الدولي استبعاد تاريخ 1 يوليو كليًا.
وافقت موسكو على إقامة البطولة كاملة في مدينة ريكيافيك، لكن الولايات المتحدة لم توافق في البداية، ولكن في برقية ثانية في 6 مايو، ورد أن "فيشر وافق مكرهاً". كتب إيوي أنه أدرك بعد البطولة معنى أن يشارك فيشر "مكرهاً": "سألعب ولكني سأستغل كل فرصة للاحتجاج ضد ومن أي شيء".
ثورارينسون، في بطولة كل العصور:
"بشكل عام تمت إقامة بطولة العالم في أيسلندا. ولكني أكاد أجزم أن سباسكي هو من أراد أيسلندا وقررها لإقامة البطولة، لأنها كانت خياره الأول، لولا تفضيله لها لما كانت ستكون من ضمن الخيارات".
أشار كاتب سيرة حياة فيشر فرانك برادي أن أحد معارف فيشر الأيسلنديين "فريستين ثوربيرجسون" هو الذي أقنعه باللعب في أيسلندا نظرًا لأهمية ذلك سياسيًا. كان ثوربيرجسون مناهض للشيوعية، وقد زار فيشر في الولايات المتحدة وكتب لاحقًا في مقال مفاده أن فوز فيشر "سيكون ضربة للقبضة الدعائية للشيوعيين".
كل ذلك كان أيام الحرب الباردة، حيث كان الغرب والشيوعيون أيديولوجيتين منفصلتين ومسيطرتين. حيث تقام بطولة العالم للشطرنج ما بين أمريكا وروسيا مع ممثلين لكلا الطرفين، وهي نقطة لم تفوتها وسائل الإعلام.
المزيد من المطالب لفيشر
أخيرًا تم تحديد مكان البطولة، لكن التعقيدات لم تنته عند هذا الحد. تسبب فيشر في مزيد من الضجة في الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل بداية البطولة، كان لديه اعتراض بخصوص الترتيبات المالية. حيث كانت الجائزة 125000 دولار (ما يعادل 800000 دولار اليوم) حيث أراد فيشر تخصيص 62.5 في المائة للفائز و 37.5 في المائة للخاسر، بالإضافة للحصول على نسبة 30 في المائة من عائدات الإعلام: التلفزيون والأفلام.
علاوة على ذلك طلب فيشر الحصول على 30 في المائة من التذاكر المباعة أيضًا، وقال إن سباسكي يجب أن يحصل أيضًا على جزء منها. لكن لم يقبل المنظمون هذا الطلب الجديد.
لقد وصلنا إلى أوائل يونيو 1972، عندما كان فيشر يقضي بعض الوقت في سانتا مونيكا، كاليفورنيا. للوصول إلى أيسلندا، كان يحتاج أولاً إلى الوصول إلى نيويورك.
في يوم الأحد 25 يونيو، وهو اليوم الذي كان من المقرر وصول فيشر فيه إلى ريكيافيك، اتصل به صديقه العزيز أنتوني سايدي وقال إنه سيطير شرقًا يوم الثلاثاء لرؤية والده، وسأله عما إذا كان بوبي يرغب في القدوم معه. وافق فيشر، وقال سايدي لاحقًا إنه كان لديه شعور غريب أنه إذا لم يتصل، فسيظل فيشر هناك.
تفويت رحلة الطيران
بعد بضعة أيام، في 29 يونيو، فيشر كان ينوي الصعود على متن رحلة في مطار جون إف كينيدي، وكانت أمتعته محملة بالفعل، لكنه وكما شهد عليه مئات من الصحفيين الذين كانوا في انتظاره، هرب من المطار وفوّت الطائرة. عاد وقضى بعض الأيام في منزل عائلة سايدي في دوغلاستون، كوينز، وكان يطاردونه الصحفيون هناك أيضًا.
وصل سباسكي مع حاشيته إلى ريكيافيك في 21 يونيو، حيث كان هناك حوالي مائتي صحفي من 30 دولة على الأقل يتساءلون عما إذا كانوا قد أتوا من أجل لا شيء. وكتب داراش أن الكثيرين منهم "احمرّت أعينهم بسبب اسيقاظهم كل يوم مبكراً لاستقبال الطائرة القادمة الساعة الخامسة صباحًا من نيويورك". "عدم رؤية بوبي ينزل من (طائرة DC-8) أصبحت عادة مزعجة."
سُأل تشيستر فوكس أحد صانعي الأفلام في نيويورك، الذي كان لديه حقوق التصوير وكان من المقرر أن يصنع فيلمًا وثائقيًا للبطولة، عما إذا كان قلقًا بشأن نتيجة استثماره. أجاب فوكس: "لم أشعر بالقلق، لكني كنت أحاول جاهداً عدم تلطيخ سمعتي."
وصل إيوي إلى أيسلندا يوم حفل الافتتاح، السبت الموافق 1 يوليو، وفي ذلك الصباح، شوهد سباسكي وهو يلعب التنس مع الأستاذ الدولي ليفو نيي أحد مساعديه في البطولة، في ملعب قريب من فندق ساغا، وعندما سأل أحد المراسلين بطل العالم عما إذا كان يعتقد أن خصمه سيأتي، أجاب سباسكي: "لا ، لا أعتقد أن روبرت جيمس سيأتي".
في هذه الأثناء في دوغلاستون، كانت هناك العديد من المحاولات لإقناع فيشر باللعب من قبل إدموندسون وسايدي والجراند ماستر ويليام لومباردي، وهو لاعب موهوب تحول إلى كاهن وصديق لفيشر، والذي سينتهي به الأمر بالانضمام إلى فيشر كمساعد ثانٍ في تحضيراته.
حفل الإفتتاح
أقيم حفل الافتتاح وفقًا للجدول المقرر، في مساء 1 يوليو في المسرح الوطني الآيسلندي الذي يضم 500 مقعد. حضر الحفل الرئيس الأيسلندي وعقيلته والسفراء ومسؤولو الاتحاد الدولي والمراسلون وغيرهم من الضيوف. لكن مقعدًا واحدًا في الصف الأمامي ظل فارغًا.
وبسبب عدم قدوم فيشر إلى هذه اللحظة، اقترح الحكم الرئيسي للبطولة الجراند ماستر لوثار شميد تأجيل قرعة الألوان إلى اليوم التالي. لربما يكون المتحدي قادماً في رحلة ليلية للوصول إلى الجولة الأولى في الوقت المناسب...
وفي اليوم التالي وصلت برقية من سايدي، تقول إن فيشر لا يستطيع اللعب بسبب المرض. حيث أن لوائح البطولة تسمح بالتأجيل لمدة تصل إلى ستة أيام فقط في حالة المرض، ولكن كان لابد من إجراء فحص طبي للقيام بذلك.
ما العمل؟ انتظار صورة الكشف الطبي بالبرقية التالية؟ لكن ألا ينبغي أن تأتي الوثيقة من طبيب البطولة الموجود في أيسلندا، الآن بعد أن بدأت البطولة؟ لكن هل هناك برقية ستأتي بالفعل؟
حيث دعا إليه إيوي إلى اجتماع لنقاش جميع هذه الأسئلة. جادل الحكم والروس بأن المباراة كانت جارية عندما تم افتتاحها في حفل الافتتاح، لكن تساءل إيوي عما إذا كانت "إلقاء الكلمات وعزف الكمان" كافياً لبدء البطولة. زعم الأمريكيون أن البطولة تبدأ رسمياً فقط بعد إجراء قرعة الألوان.
في هذه الأثناء، قال فيشر لصحيفة نيويورك ديلي نيوز في 3 يوليو: "أنا لست مريضًا وأريد تلبية مطالبي المالية، وإلا فلن ألعب".
تأجيل البطولة يومين
وبعد محاولات عديدة من إيوي لإيجاد حلول، اقترح حل وسط: تأجيل المباراة لمدة يومين. طلب الروس وقتًا للتفكير في الأمر، وبعد الغداء قالوا إنهم ليسو مناصرين للتأجيل لكنهم لن يعترضوا عليه. كتب إيوي لاحقًا: "لم أترك أي شك في أنه في حال لم يوافق الروس على ذلك، سأستبعد فيشر على الفور، لكنهم رفضوا دخول التاريخ كمدمرين لمباراة القرن".
في هذه الأثناء، هاجمت وكالة الأنباء الروسية تاس رئيس الاتحاد الدولي، وكتبت: "إيوي يتظاهر بأنه يريد بطولة شطرنج نزيهة. وبدلاً من أن يتخذ قرار باستبعاد فيشر كما تنص اللوائح، يحاول تمرير الأمر إلى أكتاف بطل العالم وتحميله مسؤولية ذلك".
إيوي يتظاهر بأنه يريد بطولة شطرنج نزيهة.
—تاس، وكالة الأنباء الروسية
أجرى إيوي المزيد من المحادثات مع جميع مسؤولي الاتحاد الدولي الموجودين في ريكيافيك ثم أصدر القرار الرسمي: تأجيل الجولة الأولى لمدة يومين، مع إجراء قرعة الألوان في 4 يوليو الساعة 11:45 صباحًا وستبدأ المباراة الأولى على الساعة 5 مساءً. كان السوفييت غاضبين وقدموا احتجاجًا رسميًا بعد كل شيء، واعترف إيوي بأنهم قد كانوا محقين بذلك.
مكالمتان هاتفيتان مهمتان
في 3 يوليو، تلقى بول مارشال مستشار فيشر مكالمة هاتفية غيرت كل شيء.
كان جيمس ديريك سلاتر مصرفيًا استثماريًا بريطانيًا ناجحًا وعاشقًا للشطرنج طور عادة منح جوائز مجهولة لأحداث الشطرنج وللاعبين الموهوبين. بعد أن قرأ عن مطالب فيشر المالية في الصحيفة وأن البطولة معرضة للإلغاء، اتصل سلاتر بـ ليونارد باردين —مراسل الشطرنج لصحيفة إيفنينغ ستاندارد، والذي بقي يكتب إلى عام 92 في صحيفة الغارديان— وأخبره أنه أراد التبرع بمبلغ 125 ألف دولار، وبذلك تضاعفت قيمة الجائزة إلى 250 ألف دولار.
اتصل باردين بمارشال -المنتج في إذاعة بي بي سي- لينشر الخبر، وعندها أراد مارشال سماع الأمر من سلاتر نفسه، حيث اتصل سلاتر بعد حوالي 10 دقائق للتأكيد، واتفق مع مارشال على إيصال الرسالة إلى فيشر: "تعال الآن والعب البطولة!" من الواضح أن فيشر شعر بسعادة غامرة عندما سمع الخبر.
وجاءت مكالمة هاتفية مشهورة أخرى في نفس اليوم. لقد كانت من قبل هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي لنيكسون ووزير الخارجية المستقبلي.
يفتتح جملته بـ "أسوأ لاعب شطرنج في العالم بتصّل بأفضل لاعب شطرنج في العالم"، على الرغم من أن داراش بدأها كـ "هذا واحد من أسوأ لاعبان للشطرنج ...". أوضح كيسنجر أن المباراة كانت مهمة لهيبة الولايات المتحدة وأن فيشر يجب أن يذهب ويلعب.
وأخيراً استقل فيشر طائرة متجهة إلى مدينة ريكيافيك في ذلك المساء.
طفح الكيل لسباسكي
عند وصول فيشر على الساعة السابعة صباح يوم 4 يوليو إلى مطار كيفلافيك، اصطحب فيشر حراسة من الشرطة إلى العاصمة الأيسلندية. حيث قرر عند وصوله أن النوم أهم من حضور قرعة الألوان. وقع على رسالة أن لومباردي سيمثله، وأغلق باب غرفة نومه.
عندما صرح لومباردي أن فيشر كان متعبًا جدًا ولا يستطيع حضور القرعة، هنا نفد صبر سباسكي وشعر أن الأمر زاد عن حده. حيث أنه في السابق كان مسؤولو اتحاد الشطرنج الروسي هم الذين احتجوا على كل أفعال فيشر، لكن الآن طفح كيل بطل العالم وسرعان ما غادر فندق إيجا، وقال لأحد المراسلين: "ما زلت أريد اللعب، لكنني أنا الذي سأقرر متى!"
سرعان ما صدر بيان رسمي من سباسكي (أو لربما كان من موسكو؟)، كُتب فيه: "إذا كان هناك الآن أي رجاء لمباشرة البطولة، فيجب أن يخضع فيشر لعقوبة عادلة. فقط بعد ذلك يمكنني العودة إلى مسألة ما إذا كان من الممكن بدء البطولة".
إذا كان هناك الآن أي رجاء لمباشرة البطولة، فيجب أن يخضع فيشر لعقوبة عادلة.
— سباسكي
كما اتضح لاحقًا، كانت "العقوبة" التي طلبها السوفييت هي خسارة فيشر للمباراة الأولى، كما أخبر جيلر أحد الصحفيين مضيفًا بشكل غامض إلى حد ما أن سباسكي "لن يتنازل". (لم يعلموا أن الخسارة ستحدث في هذه المباراة بالرغم من كل شيء ...).
في اجتماع مع جميع الأطراف، قدم السوفييت ثلاثة مطالب أخرى: أن يعتذر فيشر، وأن تتم إدانة إيوي، وأن يقر إيوي بأن التأجيل لمدة يومين ينتهك لوائح الاتحاد الدولي.
حيث أحضر إيوي ورقة أدان فيها سلوك فيشر، واعترف بأنه انتهك لوائح الاتحاد الدولي وأنه سلتزم في المستقبل باللوائح وتعليمات البطولة. في وقت لاحق أرسل الاتحاد الدولي برقية للاتحاد الروسي للشطرنج مفادها أن طلبهم للعقوبة لن يتم قبوله.
هل كان حقاً جشع؟
كان طلب الاعتذار من فيشر ليس بالأمر السهل، لكنه فعل ذلك وكتب اعتذارًا، انتهت رسالة الاعتذار المبدئي باقتراح يفيد بأن يتخلى اللاعبان عن الجائزة ويلعبان البطولة من أجل المتعة ولعب الشطرنج فقط لا غير. أراد أن يخبر الجميع أنه ليس جشعًا. لكن تم حذف هذه العبارة في النسخة الأخيرة من الرسالة.
بينما اتهمت وسائل الإعلام الرئيسية فيشر بالجشع، ربما كانت هناك أسباب أخرى تجعله يصعب الأمور لتلك الدرجة على الاتحاد الدولي وسباسكي والمنظمين، وقد يبدو أحد تلك الأسباب غريباً: الخوف.
كتب الجراند ماستر نيكولاي كروجيوس، الذي كتب كتابًا عن علم النفس في الشطرنج وكان أحد أعضاء البعثة مع سباسكي: "عندما ترى فيشر على رقعة الشطرنج، فلا يبدو عليه عدم اليقين أو انعدام الثقة. ولكنه قبل المسابقة المهمة يصبح فريسة للشك والتردد".
كان لدى الجراند ماستر لاري إيفانز وجهة نظر مماثلة: "منذ أن أصبح بوبي أقرب إلى القمة في لعبة الشطرنج، تجذر في قلبه خوف غير معهود سابقًا من الهزيمة. في ريكيافيك كان قادرًا على التغلب على خوفه، فقط بعد أن شعر أنه يخل بالتوازن الانفعالي لسباسكي".
سبب آخر مهم بالنسبة لفيشر، هو أنه لم تعجبه فكرة أن الآخرينة وخاصة المنظمين الأيسلنديين، سيكسبون من البطولة أموالًا أكثر منه. لقد كان هو النجم، وكان محمد علي لهذه البطولة، وكان يدرك ذلك جيداً.
اعتذار فيشر
في رسالة تم تسليمها إلى غرفة سباسكي بالفندق، اعتذر فيشر عن "سلوكه غير المحترم" لعدم حضور حفل الافتتاح. وكتب "لقد انجرفت بسبب خلافي الصغير حول الجائزة مع المنظمين الأيسلنديين"، كما اعتذر لإيوي و "الآلاف من مشجعي الشطرنج في جميع أنحاء العالم". ثم طلب فيشر من سباسكي عدم الاستمرار في المطالبة بخسارة المباراة الأولى.
لقد انجرفت بسبب خلافي الصغير حول الجائزة مع المنظمين الأيسلنديين
— فيشر
في نفس اليوم، تمت مهاتفة سباسكي من قبل مسؤول سوفيتي رفيع المستوى يُدعى سيرجي بافلوف، الذي قال إنه من الأفضل الآن عودة الفريق الروسي إلى روسيا. لكن سباسكي الذي طالما رفض الانضمام للحزب الشيوعي، رفض طلب العودة بأدب.
أعرب سباسكي عن تقديره لرسالة فيشر وقال إنه لا يمكنه اللعب حتى يوم الثلاثاء (11 يوليو) لكنه كان حريصًا على سحب القرعة. تمت قرعة الألوان في نهاية المطاف مساء الجمعة، 6 يوليو، في قاعة اللعب، حيث وصل فيشر متأخرا 22 دقيقة، ولكن كان من دواعي الارتياح لأي شخص حاضر أن المتحدي الأمريكي أظهر نفسه أخيرًا.
ضغط سباسكي مازحاً على قبضة فيشر اليسرى، كما لو كانوا سيلعبون مباراة ملاكمة، وكانت نتيجة القرعة أن بطل العالم سيبدأ بالقطع البيضاء. أثناء مناقشة لوائح المباراة، أسقط سباسكي طلب العقوبة بحق فيشر، ووافق فيشر على طلب تأجيل المباراة الأولى لبضعة أيام أخرى.
بدأت المباراة أخيرًا بعد خمسة أيام. كانت الفترة التي سبقت هذه البطولة هي بحد ذاتها معركة شاقّة.